هل تستطيع اللغة العربية أن تقوم مقام اللغة الإنجليزية اليوم؟


عبدالله البلوي
هل تستطيع اللغة العربية أن تقوم مقام اللغة الإنجليزية اليوم؟





هذا السؤال قد يكون سؤالا مشروعا لأي لغة لم تحظ يوما بمكانة عالمية ولم تكن يوما لغة علم و حضارة. أما اللغة العربية, فهي لغة يتحدث عنها تاريخها العريق ولن يستطيع قلمي - أو كيبوردي- أن يسطر تاريخها الريادي ودورها في نقل العلم من حضارات الأمم السابقة إلى حضارات عصرنا هذا. ولكن لو افترضنا أن اللغة العربية لم تكن يوما لغة حضارة و علم و كانت فقط لغة تواصل بين مجموعة من الشعوب يجمعهم عرق أو دين, هل نستطيع أن نكون متيقنين أنها سوف تكون مهيأة لحمل هذا العبء الكبير؟
هذا السؤال يتكرر في كل زمان ومكان وخاصة في بيئة تتواجد بها لغتان, واحدة تكون لغة ذات دور ريادي والأخرى لغة ثانوية ذات استخدام محدود. الناس في ذلك المجتمع يرون أن اللغة الرائدة استحلت هذه المكانة لامتلاكها مؤهلات خارقة لا تمتلكها اللغة الثانوية والتي غالبا ما تلصق بها عيوب واهية لا أساس لها ولا إسناد حسب علم اللغة الحديث  (Linguistics).
هذه المغالطة سبق و أن تواجدت في العصر الإغريقي عندما كانت اللغة الإغريقية هي اللغة السائدة في كل المجالات العلمية و السياسية و جاورتها آنذاك اللغة اللاتينية والتي اعتبرت لغة بدائية لا ينبغي أن تذكر أو تستخدم في المجلات العلمية ظنا منهم أن اللغة اللاتينية لن تستوعب يوما ولن تحتوي الإبداع الفكري البشري. في تلك الحقبة, والتي كانت فيها الإغريقية هي اللغة السائدة, أراد الفيلسوف الروماني ماركوس سيسرو (106 ق.م.- 43 ق.م.) أن يثبت لمن حوله من المشككين أن اللغة اللاتينية قادرة على أن تكون لغة علم وأن تحل محل اللغة الإغريقية. ولكي يحقق هذا الهدف, بدأ بكتابة جميع أعماله العلمية باللغة اللاتينية. أصبحت اللغة اللاتينية بعد تلك الحقبة اللغة العلمية الأولى في العالم علميا و دبلوماسيا. ومن أشهر من كتب أفكاره باللاتينية هو العالم المشهور إسحاق نيوتن في القرن السابع عشر.
كما ذكرت سابقا, هذه المغالطة تتكرر في كل زمان و مكان و حدثت مرة أخرى مع اللغة اللاتينية. ولكن في هذه المرة انقلبت الطاولة وأصبحت اللغة اللاتينية هي لغة العلم الرائدة مقارنة مع اللغات العامية البدائية مثل الفرنسية و الإيطالية و الإنجليزية. والتي ظن الجميع أنه لن يكون بمقدور تلك اللغات البسيطة أن تحل محل اللغة اللاتينية المخضرمة و العريقة في المجلات العلمية. ولا يوجد هنالك ضرورة لأن أتحدث عن ماذا حصل مع اللغات المذكورة آنفا لأن دورهم الريادي اليوم واضح و بارز للعيان. وأما جواب السؤال المذكور في العنوان فهو بلا شك أن اللغة العربية كغيرها من اللغات تستطيع أن تقوم مقام اللغة الانجليزية كاللغة السائد (Lingua franca) في شتى مجالات الحياة.
" كل لغة قادرة على استيعاب احتياجات شعبها الفكرية متى ما أُعطيت الفرصة."

المراجع

Bauer, L., & Trudgill, P. (Eds.). (1998). Language myths. Penguin: UK.




تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حضارة قامت لما تمسكت بدينها وأخرى لما تركته

خطوات الحصول على قبول ماجستير من الألف إلى الياء ( مع الصور)