حضارة قامت لما تمسكت بدينها وأخرى لما تركته



حضارة قامت لما تمسكت بدينها وأخرى لما تركته

يكاد العنوان يكون لغزا من يراد منه تشتيت ذهن من يقرأه, ولكن هو واقع و حدث من أحداث التاريخ الماضي.
بحكم دراستي للغة الإنجليزية أتيحت لي الفرصة أن أتعرف على حضارة الغرب وتاريخهم. فأصبحت أفكر بالأسباب التي أدت الى عصر النهضة لعلي أجد المقومات التي نهضت بهم. فوجدت أن من أحد الأسباب هو قيام مجموعة من المفكرين و العلماء بالإنتفاض ضد الكنيسة و تعاليمها ولعلي في البداية أذكر بعض الحقائق عن الكنيسة المسيحية بشكل عام و الكنيسة الكاثوليكية الرومانية بشكل خاص والتي أدت الى بقاء الدول الغربية حوالي العشرة قرون في العصور المظلمة.

1- كانت الكنيسة أعلى سلطة في الدولة بسيادة البابا وكان لديها نفوذ كبير عن طريق فرض الضرائب على العامة  و كان الإعتقاد السائد بأن قرارات الكنيسة صحيحة دائما ولا يمكن التشكيك في صحتها ومن يفعل ذلك فأنه يعرض نفسه للمحاكمة وذلك من خلال إخضاع الحكومات و الجنود لأوامرهم.
2- وجوب الإيمان التام بأن البابا هو ممثل الله في الأرض وخليفة المسيح وأن له صلاحيات عديدة منها تحديد خاتمة أي شخص سواء للجنة أو للجحيم الأبدي.
3- ظهور أكبر مظاهر الفساد الديني من خلال  توزيع صكوك الغفران(Indulgences) بمقابل مالي والذي أدى الى إنغماس الرهبان بالملذات الدنيوية وقيامهم بخداع الفقراء و أخذ أموالهم وتركهم يعيشون في فقر لبقية حياتهم.
4-  كان القسيسين يحتفظون بالعلم لأنفسهم ليسهل بذلك خداع عامة الناس الذين لا يستطيعون قراء الإنجيل لأنه كان مكتوبا باللاتينية.



محاكم التفتيش وقمع الإبداع 




هذه العوامل أدت الى بقاء الدول التي تحت سيادة الكنيسة الرومانية في العصور الوسطى حوالي ألف عام. وقصة جاليليو العالم الإيطالي خير مثال, عندما أكتشف هذا العالم الإيطالي مركزية الشمس في القرن السابع عشر وأن الأرض هي التي تدور حول الشمس وليس العكس. هذه النظرية كانت تتصادم مع إعتقادات المسيجية الكاثوليكية  حيث تؤمن الكنيسة بحسب تفسيرها للإنجيل بأن الأرض هي محور الكون وأن جميع الأجرام السماوية تدور حولها وفقا لآراء "بطليموس"، كما كانت تعتقد أن عدد الكواكب هو سبعة فقط مستشهدة بعدد أيام الأسبوع السبعة وعدد فتحات رأس الإنسان السبعة مما يعطينا صورة واضحة عن ضحالة الفكر خلال هذه الفترة التي شهدت محاكم التفتيش وعقوبات صارمة لكل من يفكر في معارضة الكنيسة.ومثّل "جاليليو" في اليوم الثاني من شهر يونيو لعام 1633 أمام محكمة تفتيش مكونة من عشرة كرادلة ليحققوا معه ويتهموه في النهاية بالهرطقة وأجبروه على الاعتراف بذلك. "ياليتني أحرقت كل ما كتبت بيدي حتى لا أشهد يوم محاكمتي هذا".هذه هي الكلمات التي قالها "جاليليو جاليلي" أحد أهم الفيزيائيين علي مر العصور، بعد أن حوكم إثر فتوى الكنيسة في عام 1611م بهرطقته، لأنه أثبت مركزية الشمس من خلال تليسكوبه المطور، وأجبرته محاكم التفتيش على التراجع عن أقواله العلمية ثم حكموا عليه بالحبس المنزلي إلى ِأن فقد بصره ومات. حتى جاء العام 1992 حينما أعلنت الكنيسة اعترافها بصحة ما جاء به "جاليليو" واعتذرت عن حكمها السابق، لينال حكما بالبراءة بعد وفاته (1). ويعتبر جاليليو حالة واحدة من تسعين ألف وواحد وعشرين خلال 18 عشر سنة فقط , تم فيها محاكمة العلماء لما عارضوا طغيان الكنيسة (2).



دين نهض بأمة




"إنا كنا أذل قوم فأعزنا الله بالإسلام، فمهما نطلب العز بغير ما أعزنا الله به أذلنا الله" عمر الفاروق


أما الحضارة التي قامت لما تمسكت بدينها فلا يخفى علينا تلك المجموعة من البدو الذين كان يواجهون المصاعب في تحصيل قوت يومهم والذين كان يتناحرون ليلا و نهارا باسم القبيلة لأتفه الأسباب و الذين كان تنتشر بينهم الخزعبلات بسبب الجهل, فقد أتاهم رسول من أنفسهم وأتى بدين نهض بهم فوق الأمم وليصبح المسلمين بقيادة العرب هم سادة العالم و رواده. تغير حالهم في بضع سنين من مجموعة تعاني في تحصيل قوة يومها الى مجموعة تنهل عليها الأرزاق من كل صوب, ومن جماعة تتناحر فيما بينهم باسم القبيلة الى جماعة تفتح بقاع الأرض باسم الإسلام , ومن قوم تنتشر فيهم الخزعبلات الى قوم أبهر العالم بعلومهم و اكتشافاتهم.و أصبحت بغداد منارة تضيئ العالم من حولها بفضل الله ثم بفضل هذا الدين العظيم.


الدين الإسلامي و على عكس الكنيسة الرومانية الكاثوليكية كان يدعو الناس الى التزود  بالعلم ويكافئ العالم و يرفع من مكانته, وكان لهم مقدار عظيم من التبجيل و التقدير. ولا أتحدث هنا عن علماء الدين فقط بل كل العلماء بجميع تخصصاتهم و مجلاتهم. كما في حديث الرسول صلى الله عليه و سلم (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ رواه الترمذي) فلم يحدد الرسول أي علم بعينه بل إن هذا الحديث يشمل كل العلوم التي تفيد الإنسان و ترتقي به. وفي هذا الحديث رسالة واضحة على إهتمام الدين الإسلامي بالعلم و حث الناس عليه.


كيف ننهض مجددا ؟


الحل بسيط, لما نتمسك بتعاليم ديننا و نطبقه في كل مجلات حياتنا. ميزة الدين الإسلامي أنه متأصل في كل جانب من جوانب حياتنا. فعلاج الفساد إتباع الدين ومخافة الله وتأدية العمل بإتقان لقول الرسول  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ(عن أم المؤمنين عَائِشَةَ بنت الصديق رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وعن أبيها أنها قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنّ اللَّهَ تَعَالى يُحِبّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلاً أَنْ يُتْقِنَهُ ..الحديث). وعلاج الجهل هو إتباع قول الرسول  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ {رواه الترمذي) , وعلاج الكسل و البطالة قول الرسول  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده ، وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده).


أذا الحل في إتباع تعاليم هذا الدين و تطبيقها في جميع مجلات حياتنا العلمية و العملية. وليكن في كل فرد مسلم الرغبة في التغيير الى الأفضل, و أقصد بالتغيير هنا ليس تغيير العالم بإختراع أو بفكرة(هذا شيء ممكن) ولاكن حاول التغيير أولا في نفسك ثم في عائلتك ثم في البيئة المحيطة بك وهكذا حتى تكون شخصية يفتخر بإنجازاتك وتكون سببا في عودة الأمة الى سابق عهدها بل وأفضل.

عبدالله الوزان

مدونتي

إيميلي
abdullahalwazan99@gmail.com

تويتر
@asswb99



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر


  1. د. راغب السرجاني, "الصراع بين الكنيسة والعلم"


http://goo.gl/cHtvEh
(2) [4] الإمام محمد عبده: مقاومة النصرانية للعلم في التاريخ نقلاً عن كتاب البابا والإسلام للدكتور يوسف القرضاوي.








Western Roman Empire




تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

خطوات الحصول على قبول ماجستير من الألف إلى الياء ( مع الصور)

هل تستطيع اللغة العربية أن تقوم مقام اللغة الإنجليزية اليوم؟